المسلم:وفقًا لعلم الكونيات، كان الكون عبارة عن جسم أساسي مضغوط بحجم يكاد يكون صفرًا
انفجر هذا الجسم الأولي (الانفجار الكبير) ليشكل سحابة من الدخان
هذا يعني أن جميع أجسام الكون بما في ذلك الأرض كانت كيانًا واحدًا مترابطًاً
هذا يعني أيضًا أن الكون له بداية ويبطل فكرة أن الكون ثابت بدون بداية
يؤكد علم الكونيات الحديث بوضوح أن أصل الكون كله كان عبارة عن سحابة من الدخان تتكون من غازات وجسيمات ساخنة وعالية الكثافة
الكون: دقة متناهية لا يمكن أن تكون صدفة
لا تزال النجوم الجديدة تتشكل من بقايا ما يُشبه الدخان الكوني. وبما أن الكون كان له بداية، فهذا يعني أنه لم يخلق نفسه، وبالتالي هو مخلوق
عندما نستخدم المنطق والتحليل، يصبح من المستحيل أن نتوقع أن الكون نشأ عن طريق الصدفة أو حادث عابر. نحن نتحدث عن كون واسع يضم ملايين المجرات التي تسير في مساراتها بنظام دقيق لملايين السنين. المجرات، التي تحتوي على مليارات النجوم، تتحرك في مساراتها بتوازن تام. لا تحدث أي تصادمات، على الرغم من حقيقة أن بلايين النجوم تتحرك في مداراتها بسرعات هائلة تتجاوز حدود العقل
المسافات الكونية: سر الحياة على الأرض
المسافات الهائلة بين الأجرام السماوية ضرورية لوجود الحياة على الأرض. وقد أكد مايكل دينتون في كتابه "مصير الطبيعة" أن المسافات بين المستعرات العظمى (النجوم المتفجرة) وبين النجوم الأخرى ضرورية للحياة على الأرض. في مجرتنا، إذا كانت المسافات أقل مما هي عليه، لانهارت مدارات الكواكب. وإذا كانت المسافات أكبر، فلن تتشكل أنظمة الكواكب من الأساس
الأرض والشمس: توازن حراري دقيق
المسافة بين الأرض والشمس ثابتة بدقة متناهية بما يسمح بتشكل الحياة الطبيعية على الأرض
إذا كانت الأرض والشمس أقرب من هذه المسافة، فإن الكائنات الحية ستحترق
أما إذا كانا على مسافة أبعد من ذلك، فسوف تتجمد الكائنات الحية. في كلتا الحالتين، ستكون الحياة مستحيلة
الأرض والقمر: جاذبية تحافظ على التوازن
المسافة بين الأرض والقمر ثابتة بدقة للحياة الطبيعية على الأرض
إذا كانت الأرض والقمر على مسافة أقرب من المسافة الحالية، فإن حركة المد والجزر ستزداد بشكل كارثي، وستغرق أمواج المحيط الأراضي المنخفضة، وترتفع درجة الحرارة إلى مستوى خطير
وفي حالة إذا كانوا أقرب قليلاً، قد يصطدم القمر بالأرض
إذا كانت الأرض والقمر على مسافة أبعد، فقد يضيع القمر في الفضاء
أما في حالة إذا كانوا على مسافة أبعد قليلاً، فسوف ينخفض المد والجزر وتصبح المحيطات أقل حركة، مما يقلل من مستوى الأكسجين ويعرض الحياة للخطر في كل من البحر والأرض
لذا، فإن التجاذب الصحيح بين الأرض والقمر ضروري للحياة الطبيعية على الأرض. هذه الدقة المتناهية في كل تفاصيل الكون تشير إلى وجود تصميم وحكمة فائقة
الجاذبية والغلاف الجوي: حراس الحياة على الأرض
إن الجاذبية تلعب دورًا حاسمًا في استقرار الحياة على الأرض. فالجاذبية الأكبر قد تؤدي إلى تغييرات خطيرة في دوران الأرض حول محورها، وفي حركة المد والجزر في المحيطات، وفي الظروف الجوية بشكل عام. على الجانب الآخر، قد تتسبب قلة الجاذبية في حدوث تغيرات مناخية خطيرة تهدد استمرارية الحياة
تتكون طبقات الغلاف الجوي من حمايات متعددة تؤدي أدوارًا مختلفة وضرورية لحماية الأرض
يعمل الغلاف الجوي على تدمير الشهب ومنعها من السقوط على الأرض، والتي يمكن أن تدمر مدنًا بأكملها
يقوم الغلاف الجوي بتصفية الإشعاعات الضارة. فالأشعة فوق البنفسجية الضارة يتم ترشيحها بواسطة طبقة الأوزون في الستراتوسفير، والأشعة تحت الحمراء بواسطة بخار الماء في طبقة التروبوسفير، بينما تُفلتر الأشعة السينية في طبقة الأيونوسفير
تحمي طبقة الغلاف المغناطيسي، المعروفة باسم "أحزمة فان ألين"، الكائنات الحية من الإشعاع الضار القادم من الأجرام السماوية والجسيمات المنبعثة من الشمس والنجوم الأخرى
يسمح الغلاف الجوي بنفاذ الأشعة الضوئية المفيدة التي تُعد ضرورية للحفاظ على حياة الكائنات الحية
يحتفظ الغلاف الجوي بالإشعاع الأرضي لإبقاء الأرض دافئة ومناسبة للحياة
يمنع الغلاف الجوي نفاذ البرودة القادمة من الفضاء، حيث تبلغ درجة الحرارة هناك -270 درجة مئوية، مما يحمي الأرض من التجمد
هل يمكن للصدفة أن تضع الكون كله في مثل هذا الترتيب الرائع والدقيق؟ الجواب هنا سيكون بالنفي القاطع
الأرض: مهد الحياة المتوازن
عندما نصل إلى الأرض، نجدها مهيأة بشكل مثالي للكائنات الحية. جميع العناصر الأساسية مثل الماء، الهواء، الضوء، والأرض موجودة في توازن مذهل يسمح للنباتات والحيوانات والإنسان بالعيش والنمو والازدهار
هذا التوازن الدقيق يدحض عقيدة الصدفة في خلق الكون، فالصدفة لا يمكنها أن تخلق مثل هذا التوازن بين مخلوقات الأرض وكل ما يدعمها
مثال لأولي الألباب: الكمبيوتر والكون
أخيرًا، يمكننا تقديم مثال واضح لأصحاب العقول الراجحة (أولي الألباب). لنفترض أنك سافرت إلى منطقة بعيدة ووجدت جهاز كمبيوتر عالي التقنية مع أحد سكان تلك المنطقة، وتساءلت كيف حصل على هذا الكمبيوتر. فأجابك قائلاً: إنه بينما كان جالسًا في المنزل، كانت جميع أجزاء الكمبيوتر تتطاير عبر النوافذ وبدأت تتجمع مع بعضها البعض بمفردها حتى تم تشكيل جهاز كمبيوتر كامل
هل تصدق هذه القصة؟ بالتأكيد، لن تصدق ذلك. فإذا لم تستطع استيعاب تكوين الكمبيوتر المعقد بالصدفة، فهل ستستوعب إنشاء الكون الرائع الذي لا يضاهيه تعقيدًا ودقة بالصدفة؟
المسلم: من خلق كل مخلوقات الأرض؟
الملحد: كل المخلوقات نشأت من خلال التطور
المسلم: إن نظرية التطور أو "الداروينية" تعتبر بمثابة محاولة يائسة لشرح وجود الحياة على الأرض
تعمل هذه النظرية كأساس علمي لفلسفة "المادية" التي ترفض وجود الله الخالق ولا تدعو إلى وجود إله والحياة ليست سوى المادة التي هي جوهر كل شيء، سواء كانت عضوية أو غير عضوية
اعتمدت نظرية التطور في الغالب على قدرات الشخص التخيلية بسبب نقص التكنولوجيا العالية في ذلك الوقت
بعد اكتشاف قوانين الوراثة من قبل جريجور مندل في عام 1865 واكتشاف الحمض النووي في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث انهارت نظرية التطور
هذا لأن جزيء الحمض النووي وتركيب الخلية معقدان للغاية لدرجة أنه من المستحيل تصديق أن مثل هذا التعقيد يمكن أن يحدث بالصدفة من خلال الآليات التطورية التي اقترحتها الداروينية
دحض آلاف العلماء حول العالم نظرية التطور وكُتبت العديد من الكتب لتوضيح بطلانها، فنظرية التطور هي بقايا تاريخية من أفكار باطلة، تجاوزها العلم الحديث بوضوح الأدلة وبطلان الأسس
المسلم:إذا كان الكون والمخلوقات لم يَخلقوا أنفسهم ولم يأتوا بالصدفة، فمن الذي خلقهم؟
الملحد: لابد أن تخلقهم قوة خارقة للعادة أو ما نطلق عليه "الكائن الأسمى" ؟
المسلم: أعلم أنك تقترب من الحقيقة، حيث يمكننا الآن استبدال لقب "الكائن الأسمى" بـ "الله"
الملحد: من هو الله؟
المسلم: الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد . هو خالق الأشياء وحده لا شريك له، ومُقدرها ومُدبرها بمشيئته وحده لا شريك له
إن الله تعالى هو خالق هذا الكون العظيم، وهو القادر على أن يعيده كما بدأه أول مرة
قد أتقن سبحانه خلق كل مخلوق، فكل كائن في هذا الكون يشهد بجمال صنعه ودقة تدبيره
علمه واسع لا يحده زمان ولا مكان، يعلم ما ظهر وما بطن، وما خفي في أعماق القلوب، فلا يغيب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض
أنجز كل أمر بحكمة بالغة، فلا يخلق عبثًا ولا يشرّع ظلمًا، بل كل أمره عدل ورحمة
هو الرحمن الرحيم، شملت رحمته كل شيء، وهي تشمل البر والفاجر والمسلم والكافر والمؤمن والملحد وهذه الرحمة التي وسعت كل شيء، هي (رحمة النعمة)، كالحياة، والصحة، والثراء، والأمن
الله هو القادر العظيم، المتفرد في ملكه وسلطانه، لا يشاركه أحد في حكمه ولا ينازعه أحد في أمره
هو العدل، الذي يحكم بالحق، وشريعته قائمة على العدل الخالص، لا ظلم فيها ولا استبداد
هو الحي الذي لا يموت، القائم بنفسه، المقيم لغيره، لا تأخذه سنة ولا نوم
استوى سبحانه على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، فوق سماواته، فوق جميع الخلق، بائن من خلقه، لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يحل أحد منهم فيه
هو الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، وهو بكل شيء عليم
لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، سبحانه منزه عن الشبيه والمثيل والند
ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، سمعه وبصره محيطان بكل خلقه، لا تخفى عليه خافية
هو الغني عن خلقه، وهم الفقراء إليه، لا يحتاج إلى أحد وهم جميعًا محتاجون إلى رحمته وعفوه
الله تعالى يحب الطاعات ويكره المعاصي، ويجازي بالإحسان إحسانًا، وبالعدل عدلًا
فالخلق خلقه، والأمر أمره، والسيادة سلطانه، لا يملك أحد معه شيئًا، ولا يحق لأحد أن يُشرك به في شيء من صفاته أو أفعاله
الملحد: ولكن لماذا خلق الله الكون وكل المخلوقات؟
المسلم: عندما نفكر في الآلات والأدوات والمعدات والأجهزة والأنظمة التي يصنعها الإنسان وما إلى ذلك، حتى نفهم أنها بالتأكيد صنعت لغرض محدد
إذن ألا يجب أن نفهم أن الكون وكل الكائنات خُلقت لغرض نبيل؟
بالتأكيد تم إنشاؤها لغرض عظيم. وفقًا للتعاليم الإسلامية، جميع المخلوقات، الحية وغير الحية، في الكون خُلقت لتخضع لله الخالق
لقد فطر الله خلقه ومخلوقاته على الفطرة السليمة للخضوع له
إن وظيفتهم الدقيقة المدهشة هي مؤشر عظيم على خضوعهم لله
إن الكائنات تسبح الله ليل نهار بطريقة لا نفهمها
حيث ذكر الله تعالى في القرآن الكريم "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (3: 83)
بالإضافة إلى ذلك، خلق الله السماوات والأرض بحكمة بالغة ليسخرها للبشرية
حيث ذكر الله تعالى في القرآن الكريم في سورة إبراهيم "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" (14: 32-33)
ومع ذلك، فقد خلق الله الإنسان وأعطاه الإرادة الحرة للخضوع له. لم يترك الله الإنسان خاضع للإرادة الحرة وحدها
وفي الحقيقة، فإن الله تعالى قد هدى الإنسان إلى سبيل الإيمان والخضوع له، ودلّه على طريق الحق برحمته وبيّناته
وهدايته سبحانه بيّنة واضحة، يفهمها كل من أعمل عقله واستجاب لفطرته، حتى لا يكون لأحد عذر في إنكارها أو تبرير لسوء فهمها
وقد أوضح الله جلّ وعلا أن من استجاب له ورضي بحكمه، فقد فاز ونجا، ومن أعرض وتكبر، فهو الخاسر في الدنيا والآخرة
وعلى هذا، فإن كل إنسان مسؤول عن اختياره، ومحاسب على طريقه، فلا إكراه في الدين، ولكن لا يُعذر من جحد النور بعد ظهوره
الملحد:كيف هدى الله الإنسان؟
المسلم: خلق الله آدم (عليه السلام) وأمره كيف يخضع له
ثم أمر آدم نسله بالخضوع لله تعالى
ثم أرسل الله رسلاً وأنبياء (عليهم السلام) وأنزل عليهم كتباً سماوية إلى شعوبهم ليهتدوا بها إلى الصراط المستقيم
وأخيراً بعث الله تعالى آخر رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) بآخر كتبه السماوية وهو القرآن الكريم ليكون هدى للبشرية جمعاء إلى يوم الدين
قال الله تعالى في القرآن الكريم 16:36 "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
وقد ذكر الله عز وجل في القرآن في سورة النساء "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (4: 163)
الملحد: كيف نعرف أن الرسل والأنبياء والكتب من عند الله؟
المسلم: هذا سؤال مهم لأن هناك العديد من مدعى النوبة الكذبة الذين ادعوا أنهم من مبعوثين من عند الله وهناك العديد من الأديان التي يعتبرها أتباعهم ديانات حقيقية
لقد أرسل الله تعالى رسله وأنبياءه لهداية الناس، وأيّدهم بالمعجزات الباهرات لتمييزهم عن مدّعي النبوة الكذبة والمفترين
فعلى سبيل المثال فإن الله سبحانه وتعالى أنه قد أنقذ نبيه نوحًا (عليه السلام) ومن آمن معه من الطوفان العظيم، وذلك بإرشاده لبناء السفينة التي كانت سبب النجاة
وجعل الله تعالى النار بردًا وسلامًا على نبيه إبراهيم (عليه السلام) حين ألقاه فيها الكفار، فكانت معجزة عظيمة شاهدة على قدرة الله وحمايته لأوليائه
وأيّد الله نبيه موسى (عليه السلام) بمعجزات باهرة، منها أن عصاه تحوّلت إلى ثعبان عظيم بإذن الله، وتفجرت له من الحجر اثنتا عشرة عينًا، وشقّ الله له البحر فكان كل فرقٍ كالطود العظيم
أما نبي الله عيسى (عليه السلام)، فقد أُيّده الله تعالى بمعجزات كثيرة، منها أن عيسى (عليه السلام) كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى بإذن الله، وكلها آيات تدل على صدقه ونبوته
وخاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد أُيّده الله تعالى بأعظم معجزة خالدة إلى يوم القيامة، وهي القرآن الكريم، كلام الله المحفوظ، الذي تحدّى الإنس والجن أن يأتوا بمثله، فثبتت به النبوة، وانقطعت الحجة على البشر
وقد جاء هذا الكتاب العظيم مصدقًا لما بين يديه من كتب، ومؤكدًا على الرسالة الواحدة التي بعث الله بها جميع أنبيائه، وهي توحيد الله ربًا وإلهًا ومعبودًا
إن توحيد الربوبية يعني الإيمان بأن الله وحده هو خالق الكون ومدبّره، لا يشاركه في ذلك أحد. وتوحيد الألوهية يعني أن الله وحده المستحق للعبادة، فلا يُعبد غيره، ولا يُدعى سواه، ولا يُتقرّب إلا إليه
ورغم أن شرائع الأنبياء قد اختلفت تبعًا لاحتياجات كل أمة وزمان، فإن الدين واحد، وهو الإسلام، دين التوحيد، الذي دعا إليه جميع الرسل
غير أن بعض الأديان المحرّفة انحرفت عن هذا التوحيد، فجعلت لله شركاء، أو عبدت المخلوقات من دون الخالق، فابتدعوا آلهة باطلة، وعبدوا بشراً أو حجارة أو قوى من الطبيعة، وهذا شرك بالله تعالى، ومخالف للفطرة والعقل السليم
وهؤلاء إنما اتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الباطل، دون حجة أو برهان، حتى وإن ظهرت لهم الآيات البيّنات، فهم يعرضون عنها عنادًا واستكبارًا
أما من تحرّى الحق واتبع العقل والمنطق، فإنه يدرك ببصيرته أن هذه الآلهة المزعومة لا تنفع ولا تضر، ولا تخلق ولا ترزق، فيرفض عبادتها حين يرى الآيات الواضحة والدلائل الجليّة
ومن القصص المعبرة أن شابًا كان يسجد لصنم يظنه إلهًا، وبينما هو كذلك، دخل كلب إلى المعبد وتبوّل على الصنم، فغضب الشاب في بادئ الأمر، ثم تفكّر وقال: كيف يكون هذا معبودًا يُهان ولا يدفع عن نفسه؟! فعرف من فوره أن هذا ليس بإله، وهداه الله إلى الإيمان به وحده لا شريك له
الملحد: ما هو دين الأنبياء والمرسلين الذي نقلوه لأممهم؟
المسلم: الإسلام هو دين الأنبياء والرسل
الإسلام يعني الخضوع التام لله في جميع مناحي الحياة دون اعتراض
حيث ذكر الله تعالى في كتابه في سورة الأنعام : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). 6: 162
لم يتم تسمية الإسلام على اسم شخص مثل المسيحية التي سُميت على اسم المسيح، والبوذية سميت على اسم البوذا، ولم يتم تسميتها على اسم قبيلة مثل اليهودية التي سميت باسم قبيلة يهوذا والهندوسية على اسم الهندوس[1]. فالإسلام هو الدين العالمي للبشرية جمعاء من آدم حتى يوم القيامة. وقد جاء جميع أنبياء الله لدعوة الناس إلى الإسلام (للخضوع لله الذي خلقهم). قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) (الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى، وأنا أوْلى النَّاسِ بعيسى ابنِ مَريمَ) حديث صحيح أخرجه البخاري
كما أقر كافة الأنبياء (عليهم السلام) بأنهم مسلمون وأقروا بخضوعهم الكامل لله
وقد أكد القرآن الكريم على خضوع الأنبياء (عليهم السلام) لله تعالى في مواضع عديدة، فقد أوصى بذلك نبيا الله إبراهيم ويعقوب (عليهما السلام) حيث قال الله تعالي (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (2: 132) (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (2: 133) وقد نقل الله عز وجل عن نبي الله عيسى (عليه السلام) قوله: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (3: 52)
لذلك فإن الإسلام ليس دينًا جديدًا أتى به محمد (صلى الله عليه وسلم) للعرب فقط ولكن الإسلام هو دين الله الحق للبشرية جمعاء من آدم (عليه السلام) إلى قيام الساعة، وقد تجلّى الإسلام في صورته النهائية من خلال الوحي الذي نزل على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويؤمن المسلمون بأن محمدًا كان خاتم الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، حاملًا رسالة الإسلام الكاملة والشاملة، المضمنة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكد على عالمية الإسلام وعالمية رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (3: 19) وقول الله تعالى : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ( آل عمران 3 : 85) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (34 : 28)
الملحد:الآن يتضح لي أن الكون وكل المخلوقات يجب أن يكون لها خالق واحد حيث أن الإسلام يقدم لي إجابات منطقية مقنعة قد أجابت على أسئلتي حول "الله" والدين الذي يجب أن اتبعه والذي آمن به كافة الرسل والأنبياء (عليهم السلام)
لذا فإن السؤال الأخير هو: كيف يمكنني أن أصبح مسلما؟
المسلم: لكي تصبح مسلمًا عليك بأن تقول الشهادتين وهما: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّٰهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". وهذا يعني أنك تقرّ وتعترف بأنه لا معبود حق إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله
[1] المترجم: كلمة «هنْدُو» (بكسر الهاء) هي كلمة فارسية الأصل، استعملها الفرس للإشارة إلى القوم الذين يسكنون ما وراء نهر السند في الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية